فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} ينجون من الغرق {إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إلى حِينٍ} يعني انقضاء آجالهم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} أي ما بين أيديكم من الآخرة فاعملوا لها {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها. قاله ابن عباس، وقال مجاهد: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما يأتي من الذنوب، {وَمَا خَلْفَكُم} ما مضى من الذنوب.
الحسن.
{مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} يعني وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأُمم {وَمَا خَلْفَكُم} من أمر الساعة.
مقاتل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} عذاب الأُمم الخالية، {وَمَا خَلْفَكُم} عذابُ الآخرة.
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} والجواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا، أعرضوا، دليله ما بعده: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا أَنُطْعِمُ} الرزق {مَن لَّوْ يَشَاءُ الله أَطْعَمَهُ} يتوهمون أنّ الله تعالى لما كان قادرًا على إطعامه وليس يِشاء إطعامه، فنحن أحق بذلك. نزلت في مشركي مكة حين قال لهم فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله، وذلك قوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيبًا} [الأنعام: 136] فحرموهم، وقالوا: لو شاء الله أطعمكم فلا نُعطيكم شيئًا حتى ترجعوا إلى ديننا.
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} في اتباعكم محمدًا ومخالفكتم ديننا. عن مقاتل بن حيان، وقال غيره: هو من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
{وَيَقُولُونَ متى هَذَا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أنا نُبعث؟ فقال الله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} وهي نفخة إسرافيل {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي يختصمون ويُخاصم بعضهم بعضًا.
واختلفت القراء فيه؛ فقرأ ابن كثير وورش وأبو عبيد وأبو حاتم بفتح الخاء وتشديد الصاد ومثله روى هشام عن أهل الشام: لما أدغموا نقلوا حركة التاء إلى الخاء.
وقرأ أبو جعفر وأيوب ونافع غير ورش ساكنة الخاء مخففة الصاد، وقرأ أبو عمرو: بالإخفاء، وقرأ حمزة: ساكنة الخاء مخففة الصاد، أي يغلب بعضهم بعضًا بالخصام، وهي قراءة أُبي بن كعب، وقرأ الباقون بكسر الخاء وتشديد الصاد.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} فلا يقدرون على أنْ يوصي بعضهم بعضًا، {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي الصور} وهي النفخة الأخيرة: نفخة البعث، وبين النفختين أربعون سنة، {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث} أي القبور، واحدها جدث {إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} يخرجون، ومنه قيل للولد: نسلًا؛ لأنه يخرج من بطن أُمّه، والنسلان والعسلان: الإسراع في السير.
{قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} أي منامنا قال أُبي بن كعب وابن عباس وقتادة: إنما يقولون هذا؛ لأن الله رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين فيرقدون، وقال أهل المعاني: إنّ الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار ماعذبوا في القبور في جنبها كالنوم، فقالوا: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}؟ ثم قال: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} أقرّوا حين لم ينفعهم الإقرار، وقال مجاهد: يقول الكفار: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}؟ ويقول المؤمنون: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون}.
{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} محل {مَا} نصب من وجهين:
أحدهما: مفعول ما لم يسمَّ فاعله.
والثاني: بنزع حرف الخفض، أي ب ما.
{إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ} قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشيبة بجزم الغين، واختاره أبو حاتم، وقرأ الآخرون: بضم الغين، واختاره أبو عبيد، وهما لغتان مثل السُّحْت والسُّحُت ونحوهما.
واختلف المفسرون في معنى الشغل. فأخبرنا محمد بن حمدون قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا أبو الأزهر قال: حدّثنا أسباط بن محمد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ} قال: افتضاض الأبكار.
وأخبرني فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا أحمد بن الوليد الشطوي قال: حدّثنا محمد بن موسى قال: حدّثنا معلى بن عبد الرَّحْمن قال: حدّثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارًا».
وقال الكلبي والثمالي والمسيب: يعني في شُغل عن أهل النار وعما هم فيه، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم، وقال وكيع بن الجراح: يعني في السماع، سئل يحيى بن معاذ: أي الأصوات أحسن؟ قال: مزامير أُنس في مقاصير قدس بألحان تجميل في رياض تمجيد في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وقال ابن كيسان: يعني في زيارة بعضهم بعضًا، وقيل: في ضيافة الله وقيل: في شغلهم بعشرة أشياء: ملك لا عزل معه، وشباب لا هرم معه، وصحة لا سقم معها، وعزّ لا ذل معه، وراحة لا شدة معها، ونعمة لا محنة معها، وبقاء لا فناء معه، وحياة لا موت معها، ورضا لا سخط معه، وأُنس لا وحشة معه.
وقيل: شغلهم في الجنة بسبعة أنواع من الثواب لسبعة أعضاء: فأما ثواب الرِجل فقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ آمِنِينََ} [الحجر: 46]، وثواب اليد قوله: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} [الطور: 23]، وثواب الفرج قوله: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22]، وثواب البطن قوله: {كُلُواْ واشربوا هَنِيئًَا} [الطور: 19] الآية، وثواب اللسان قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: 10] وثواب الأُذن قوله: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} [الواقعة: 25- 26]، وثواب العين قوله: {وَتَلَذُّ الأعين} [الزخرف: 71].
قال طاووس: لو علم أهل الجنة عمّن شغلوا ما هنّأهم ما اشتغلوا به، وسئل بعض الحكماء عن قوله عليه السلام: «أكثر أهل الجنة البله» قال: لأنهم في شغل بالنعيم عن المنعم، ثم قال: من رضي بالجنة عن الله فهو أبله.
{فَاكِهُونَ} قرأ العامة: بالألف، وقرأ أبو جعفر {فكهون} و{فكهين} بغير ألف حيث كانا، وهما لغتان: كالحاذر والحذر والفارهِ والفرهِ، وقال الكسائي: الفاكه والفاكهة مثل شاحم ولاحم ولابن وتامر، واختلف العلماء في معناهما، فقال ابن عباس: فرحون. مجاهد والضحاك: معجبون. السدي: ناعمون.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} حلائلهم {فِي ظِلاَلٍ} قرأ العامة بالألف وكسر الظاء على جمع ظلّ، وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير وحمزة والكسائي وخلف: {ظلل} على جمع ظلة.
{عَلَى الأرآئك} يعني السُرر في الحجال، واحدتها أريكة، مثل سفينة وسفن وسفائن وقيل: هي الفرش، {مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} قال ابن عباس: يسألون. قال مقاتل: يتمنون ويريدون، وقيل: معناه. من ادّعى منهم شيئًا فهو له بحكم الله عز وجل؛ لأنهم لا يدعون إلاّ ما يحسن.
{سَلاَمٌ} قرأ العامة بالرفع، أي لهم سلام، وقرأ النخعي: بالنصب على القطع والمصدر.
أخبرني الحسن بن محمّد بن عبد الله الحافظ قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا أحمد بن الفرج المقرئ قال: حدّثنا محمد بن عبد الملك أبي الشوارب قال: حدّثنا أبو عاصم عبد الله بن عبد الله العباداني قال: حدّثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، وأخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن قال: حدّثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني قال: حدّثنا الحسن بن أبي علي الزعفراني قال: حدّثنا ابن أبي الشوارب قال: حدّثنا أبو عاصم قال: حدّثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الربّ عزّ وجل قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله عز وجل: {سَلاَمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم».
{وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} قال ابن عباس: تفرقوا. أبو العالية: تميزوا. السدي: كونوا على حدة. قتادة: اعدلوا عن كل خير. الضحاك: إنّ لكل كافر في النار بيتًا، يدخل ذلك البيت ويردم به بالنار فيكون فيه أبد الآبدين فلا يرى ولا يُرى. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة يس: الآيات 28- 29]:

{وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)}.
المعنى: أن اللّه كفى أمرهم بصيحة ملك، ولم ينزل لإهلاكهم جندا من جنود السماء، كما فعل يوم بدر والخندق، فإن قلت: وما معنى قوله وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ؟ قلت: معناه:
وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جندا من السماء، وذلك لأنّ اللّه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون البعض، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة. ألا ترى إلى قوله تعالى {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا} فإن قلت: فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؟ قال تعالى {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْها} {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} {بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} {بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}؟
قلت: إنما كان يكفى ملك واحد، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة منه، ولكنّ اللّه فضل محمدا صلى اللّه عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولى العزم من الرسل، فضلا عن حبيب النجار، وأولاده من أسباب الكرامة والإعذار ما لم يوله أحدا، فمن ذلك: أنه أنزل له جنودا من السماء، وكأنه أشار بقوله: {وَما أَنْزَلْنا} {وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ} إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك، وما كنا نفعله بغيرك {إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} إن كانت الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة. وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع على كان التامّة، أي: ما وقعت إلا صيحة، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل، لأنّ المعنى: ما وقع شيء إلا صيحة، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها قراءة الحسن: فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، وبيت ذى الرمّة:
وما بقيت إلّا الضلوع الجراشع

وكان الأفصح حذف التاء، لأن المعنى: ما بقي فيها شيء إلا الضلوع، لكنه أنث نظرا للضلوع. والجراشع: جمع جرشع كقنفذ، وهو الغليظ المرتفع. ويروى: بدل الشطر الأول:
طوى الحر والأجراز ما في عروضها

والأجراز: جمع جرز، وهي المفازة القفرة، والعروض: جمع عرض- بضم فسكون-: أي جنوبها. ويروى: النحز، بدل الحر، وهو بنون فمهملة فزاى: النخس والدفع. ويروى غروض بغين معجمة: جمع غرض، كقفل: وهو حزام الرحل، أراد به الصدر لعلاقة المجاورة. أو هو على حذف مضاف، أي محل غروضها. ويجوز أنه أراد بما في غروضها الصدر ذاته لا الشحم واللحم. ومعنى الطي التضمير أو الاذهاب على طريق المجاز.
وقرأ ابن مسعود: {إلا زقية واحدة} من زقا الطائر يزقو ويزقى، إذا صاح. ومنه المثل: أثقل من الزواقى خامِدُونَ خمدوا كما تخمد النار، فتعود رمادا، كما قال لبيد:
وما المرء إلّا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادا بعد إذ هو مناطع

.[سورة يس: آية 30]:

{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30)}.
{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ} نداء للحسرة عليهم، كأنما قيل لها: تعالى يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضرى فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل. والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، ويتلهف على حالهم المتلهفون. أوهم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين. ويجوز أن يكون من اللّه تعالى على سبيل الاستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم ومحنوها به، وفرط إنكاره له وتعجيبه منه، وقراءة من قرأ: {يا حسرتا} تعضد هذا الوجه لأن المعنى: يا حسرتى. وقرئ: {يا حسرة العباد} على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم، من حيث أنها موجهة إليهم. ويا حسرة على العباد: على إجراء الوصل مجرى الوقف.

.[سورة يس: الآيات 31- 32]:

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32)}.
{أَلَمْ يَرَوْا ألم يعلموا} وهو معلق عن العمل في كَمْ لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها، كانت للاستفهام أو للخبر، لأن أصلها الاستفهام، إلا أن معناه نافذ في الجملة، كما نفذ في قولك:
ألم يروا إن زيدا لمنطلق، وإن لم يعمل في لفظه. و{أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} بدل من {كَمْ أَهْلَكْنا} على المعنى، لا على اللفظ، تقديره: ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم. وعن الحسن: كسر إنّ على الاستئناف. وفي قراءة ابن مسعود: {ألم يروا من أهلكنا} والبدل على هذه القراءة بدل اشتمال، وهذا مما يردّ قول أهل الرجعة. ويحكى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه قيل له: إن قوما يزعمون أنّ عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: بئس القوم نحن إذن نكحنا: نساءه وقسمنا ميراثه. قرئ: {لما} بالتخفيف، على أن ما صلة للتأكيد، وإن: مخففة من الثقيلة، وهي متلقاة باللام لا محالة. ولما بالتشديد، بمعنى: إلا، كالتي في مسألة الكتاب. نشدتك باللّه لما فعلت، وإن نافية. والتنوين في كُلٌّ هو الذي يقع عوضا من المضاف إليه، كقولك: مررت بكل قائما. والمعنى أن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب يوم القيامة. وقيل محضرون معذبون. فإن قلت: كيف أخبر عن كل بجميع ومعناهما واحد؟ قلت: ليس بواحد: لأن كلا يفيد معنى الإحاطة، وأن لا ينفلت منهم أحد، والجميع: معناه الاجتماع، وأن المحشر يجمعهم. والجميع: فعيل بمعنى مفعول، يقال حى جميع، وجاءوا جميعا.